بنت الجولان Admin
عدد المساهمات : 178 تاريخ التسجيل : 25/05/2011 العمر : 34
| موضوع: ثقافة المعارضة الخميس يوليو 21, 2011 11:42 pm | |
| أرجو أن تفتح قلبك وعقلك وأنت تستمع معي لما جاء في خطبة الجمعة الشهيرة التي ألقاها خليفة المسلمين معاوية بن أبي سفيان, والتي ذكرنا فيها رضي الله عنه وأرضاه ببعد هام , ولكنه من الأبعاد المطموسة عند الكثيرين منا , كما أنه من الأبعاد التي تكاد تكون غائبة عند أهل الحكم , والسياسة , والمعارضة , وكل من ابتلاهم الله بمسئولية خلق الله في بلاد الله .
في ذلك اليوم وقف معاوية في الناس خطيبا وفاجأهم بقوله : أيها الناس :إن المال مالنــــا, وإن الفيء فيأنــا , من شئنـا أعطيناه , ومن شئنا منعنــاه " وانتظرمعاوية من الحاضرين ردا , فلم يجبه أحد لا من الكبراء, ولا الحكماء , ولا العقلاء , ولا العلماء, ولا الوزراء ولا صفوة القوم , ولا عامتهم . ( وهذه رذيلة من الرذائل التي تشين الرجال في كل زمن وحين ) .
جاءت الجمعة الثانية , ووقف معاوية على نفس المنبر, وقال نفس الكلام , ولم يجبه أي من الحاضرين . فلما كانت الجمعة الثالثة , وقف معاوية وقال نفس الكلام , ولكن في هذه المرة قام إليه رجل من المسلمين وقال له " كلا يا معاوية , إن المال مالنــــا , وإن الفيء فيأنا ,من حال بيننا وبينه حاكمناه إلى الله تعالى بأسيافنا ". فنزل معاوية من على المنبر, وأمر باستدعاء الرجل . وسرعان ما اكفهرت الأجواء , وأجمع القوم على هلاك الرجل الذي أحضر على الفور , و بينما هو في طريقه إلى مجلس الخليفة كانت تشيعه نظرات الإشفاق وتمتمات التعاطف .
دخل الرجل على معاوية ودار بينهما حديث , والقوم مجتمعون في الخارج , ينتظرون مصير هذا المسكين الذي تجرأ وعارض الحاكم في ملأ من الناس وبعد فترة فتحت الأبواب , ودخل الناس , وكانت المفاجأة التي صعق منها الناس , إذ وجدوا الرجل وقد أكرمه معاوية إكراما , وقربه من مجلسه , حتى أنهم وجدوا الرجل يجلس بجواره معاوية على سرير الأخير.
قرأ معاوية ما في عيون الناس , ولكنه سرعان ما ذكرهم بالبعد الغائب – محور حديثنا - فقال لهم : أيها الناس: إن هذا الرجل أحياني أحياه الله . فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ستكون أئمة من بعدي ، يقولون فلا يرد عليهم قولهم ، يتقاحمون في النار كما تقاحم القردة "(1) وإني تكلمت في الجمعة الأولى فلم يرد على أحد فخشيت أن أكون منهم . ثم تكلمت في الجمعة الثانية فلم يرد على أحد , فقلت في نفسي : أنت من القوم . فتكلمت في الجمعة الثالثة فقام هذا الرجل فرد على فأحياني أحياه الله , فرجوت أن يخرجني الله تعالى منهم. ثم أعطى معاوية الرجل , وشكره , وأجاره .
أيها الساسة , أيها السادة , يا كل من ابتلاه الله مسؤولية خلق الله في بلاد الله : افتحوا الأبواب , وأبعدوا الحُجاب , واستمعوا لمعارضيكم, فربما تكون معارضة المعارضين لأقوالكم , ومراجعتهم لأفعالكم , وانتقادهم لسياساتكم سببا في إنقاذكم من لظى جهنم , ومن سوء المآل , يوم يحاسب فيه المرء على النقير والقطمير.
طارق حسن السقا
----------------------------- (1) رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، وأبو يعلى سلسلة الأحاديث الصحيحة : (4/398) ، ورقمه : (1790)
| |
|