بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مصرِّف الدهور، وخالق الظلمة والنور، وموجد الظل والحرور، أحمده سبحانه حمد الشاكرين واستغفره استغفار النادمين، وأعوذ به من شر نفسي وشر الشيطان وشركه، ونسأله الراحة من الصيف وحرّه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه... وبعد:
فهذه رسائلٌ أبعثها إليك أخي المصطاف ولأسرتك الكريمة، مع علمي أن عندكم من الخير ما يكفيكم ومن البِر ما يغنيكم، ولكنه الشوق إليكم، والأنس بحديثكم.
وكثير من السؤال اشتياقٌ وكثير من ردهِ تعليلُ
فنسأل الله أن تجد مكاناً في قلوبكم العامرة بالخير والصلاح.
الرسالة الأولى: (إلى ربان السفينة):
إليك يا ربان السفينة، فأنت ملح الرحلة ودليلها إلى مرفأ الأمان وإلى بر السعادة، في زمان زادت شرور أُناسه وكثرت حيرة أهله، وقست قلوبهم فهي كالحجارة أو اشد قسوة، وجَمُدت أعينهم فما تجود بقطرة، في عالم تلاطمت أمواجه بالشبهات والشهوات، فأصبح أهله أحوج ما يكون لمن يمدُّ لهم بطوق النجاة في لُجّة هذا الخِضَم المخيف.
إلهي ما يئسنا إذ شكونا فإن اليأس يفتك بالضميرِ
لنا يا رب إيمانٌ يُرينا جلال السير في الدرب العسير
تضيق بنا الحياة وحين نهفو إلى نجواك نحظى بالسرورِ
وأذكرك بما روى الشيخان عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد يسترعيه الله رعيّة يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيَّته إلا حرّم الله عليه الجنة». فبتوجيهك وحرصك تكون النجاة بإذن الله وبنصائحك تصفوا النفوس، وتنمو المدارك، وتزداد المعارف، وعليك يا رب الأسرة اختيار الأماكن المناسبة للسكن وللتنزُّه، والأوقات المناسبة للتسوّق والتجوّل بعيداً عن مضلات الفتن ومزالق الريب، فكم من أسرة ما عرفت الشر إلا عندما أُهملت بعيداً عن عين الرقيب.
ما كانت الحسناء تُبدي خدرها لو كان في هذي الجموع رجالُ
أيها الأب: بادر إلى مواطن الخير، وكن مسارعاً إلى الطاعات، حتى يقتدي بك أهلك وبنوك، وتكون مفتاحاً للخير إليهم، واقطع موادَّ الشر والفساد عن أهلك وأولادك، ولا تجلب إليهم ما يكون ضرراً عليهم في دينهم وأخلاقهم، واعلم أنه لا ينفعك أمام الله تعالى أن تقول فَعَلَ الناس ففَعَلت وأساء الناس فأسأت {كُلُّ نَفسٍ بِما كَسَبَت رَهينَةٌ} [المدثر: 38].
وأخيراً: لا يكن بيتك أو سيارتك خالية من كتاب نافع أو شريط مفيد، فقد يسرها الله في هذا الزمان بأثمان زهيدة.
وأسأل الله عز وجل أن يُكلِّل جهودك بالتوفيق، وأن يرزقك الذريَّة الطيبة التي تقر بها عينك في الدنيا والآخرة.
الرسالة الثانية: (إليكِ أيتها الأم):
إليكِ يا نبع الحنان، وقصة العطاء، وحكاية الجُود.. إن كثيراً من شؤون الأسرة لا يدركها أحدٌ غيرك.
أنتِ وحدكِ مَن تعرف ماذا يريد ابنك وما تفكِّر فيه ابنتك، فأنت تعرفين ذلك في قَسَمات وجوههم، وفلتات ألسنتهم، فلا تتركين مجالاً للعادات السيئة والأخلاق الذميمة التي أتتنا من أعدائنا بأن تتسلل إليهم، وحاولي علاجها في أولها قبل أن تستشيري وتزداد، فإن أعظم النار من مستصغر الشر.
وعوِّدي أبناءكِ على معالي الأمور، وبناتك على الحشمة والحياء، فإن مَن شبَّ على شيٍ شاب عليه، ومَن أدَّبَ ولده صغيراً سَعُد به كبيراً، وترك لنفسه بين الناس ثناءً جميلاً.
كوني أيتها الأم صدراً مفتوحاً لهموم أبنائك ومشاكلهم حتى لو كانت صغيرة وتافهة، افتحي لهم مجالاً للغة التقبّل لتحققي نجاحاً في جعلهم يفتحون قلوبهم ويتحدثون عمّا في نفوسهم، وابتعدي عن لغة التحطيم والتوبيخ والسخرية والتخجيل، وقدِّمي لهم خبرات الحياة وأنواع المعرفة التي توفرت لديك، فكل خبرة نعطيها لأولادنا توفِّر مقداراً من العناء، وتحفظهم بإذن الله من الأخطار والأشرار.
وأخيرا.. ألف شكر يا صانعة الأبطال، وألف تقدير يا مربية الأجيال.
الرسالة الثالثة: إليك أيها الشاب:
إن هذه العافية التي تمرح في سعتها وتستمتع بحريَّتها ليست شيئاً قليلاً، إن كثيراً من الناس قد ابتلوا بفقدها وليس يعلم إلاَّ الله مدى ما يحسُّونه من ألم؟ فمنهم من حُبس في جلدهِ، فما يستطيع حركة.
ومنهم مَن يستجدي الهواء الواسع نَفَساً يحيي به صدره العليل فما يعطيه الهواء إلا زفرة وتخرج مليئة بالدم!
ومنهم من عاش منقوص الأطراف، مجروح المشاعر!!
ومنهم مَن يتلوى من أكل لقمة؛ لأن أجهزته الهاضمة معطوبة.
ومنهم... ومنهم...
إن كنت معافاً من هذا كلّه فاعلم أن الله قد زوَّدك بثروة عظيمة، ومنحك ما سوف يسألك عنه.
أخي الشاب: قدّم ما استطعت نظير ما أنعم الله عليك من نِعم تتألق بين رأسك وقدميك وتتأنَّق بها في الحياة كيف تشاء، فقدِّم لو كلمةً أو نصيحةً أو شريطاً أو مطوية ولا تحقر من المعروف شيئاً.
واحذر يا أخي كل الحذر من أن تسن سُنَّة سيئة أو تجرّها على مسلم. فتكون مما قال الله فيهم: {لِيَحمِلوا أَوزارَهُم كامِلَةً يَومَ القِيٰمَةِ ۙ وَمِن أَوزارِ الَّذينَ يُضِلّونَهُم بِغَيرِ عِلمٍ ۗ أَلا ساءَ ما يَزِرونَ} [النحل:25].
وأخيراً يا أخي:
خذ ما استطعت من الدنيا وأهليها لكن تعلم قليلاً كيف تعطيها
كن وردةً طيبها حتى لسارقها لا دمنةً خبثها حتى لساقيها
انظر إلى الماء إن البذلَ شيمتهُ يأتي الحقول فيرويها ويسقيها
فما تعكر إلا وهو منحبسٌ والنفس كالماء تحكيهِ ويحكيها
الرسالة الرابعة: (إليك أيتها الفتاة):
أنت دُرة غالية، وعملة نادرة، وجوهرة وأي جوهرة، إن طُهرك وعفافك وحيائك أنفس ما تملكين، فلا تُريقي حيائك في جنبات الطريق، ولا تنفقي عفافك في الحرام، ولا تبذلي جمالك للمتسولين...
صوني جمالك عنّا إننا بشر من التراب وهذا الحُسن روحاني
أو فابتغي فلكاً تأوينه ملكاً لم يتخذ دَرَكاً في العالم الفاني
احذري أخيتي من الموضات والصيحات والصرعات القادمة من أعداء الدين، لتهين كرامتك بعدما أعلاها الإسلام، وتكونين فريسة للذئاب بعدما صانك الإيمان..
وأذكرك بالحديث الذي رواه أبو داود عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استعطرت المرأة فمرَّت على القوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا» يعني زانية.
فكيف بمن تخرج كاسية عارية، متبرجة سافرة لا ترقب في مؤمن إلاًّ ولا ذِمَّة.
صانك الله أخيتي من ذلك، ورفع قدرك وأعلا همَّتك وزودك التقوى.
الخاتمة:
وأخيراً.. فالصيف آمال وآلام..
الصيف أمل الطالب والمعلم.. أمل للخريج.. أمل للعريس.. أمل للمسافر.. آمال وآمال، لكن كم يحمل في طيّاته من آلام قد امتلأت بالأخبار والأسفار التي مُسخ فيها الحياء، وذُبحت الغيرة، وانتحر العفاف...
جعل الله أيامنا وأيامكم آمال وأفراح، وجَنَّبنا الآلام والأتراح، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.